مختار التتش.. أسطورة صنعتها المواقف الوطنية وعشق الأهلي
١٣ مايو ٢٠١٦ في ١٠:١٧ م | النادي

مختار التتش.. أسطورة صنعتها المواقف الوطنية وعشق الأهلي

“مختار التتش في 43.. حارب الملك سفرنا لفلسطين” – مقطع من أغنية رابطة شبابية تشجع الأهلي، أنتجت في عام 2013.

ما الذي قد يدفع أشخاص ما للغناء إلى شخص ما، لم يتعاملو معه أو يتحدثو معه أو حتى يروه؟!، الإجابة: لإنه أسطورة.

محمود مختار محمد رفاعي، المعروف بـ”مختار التتش”، أسطورة النادي الأهلي، وواضع حجر أساس بناء المنظومة الإحترافية للقلعة الحمراء بشكلها الحالي.

ولد التتش في الإسكندرية عام 1906، قبل عام من ولاد الكيان الأحمر الذي بذل من أجله كل غالي ونفيس، والذي لم يكن يعلم أحد أن المولودين سيقترنان سويا أبد الدهر.

أطلق عليه لقب “التتش” بسبب قصر قامته الذي لم يمنعه من القفز عاليا بخفة حركة غير مسبوقة، فأصبح التتش تيمنا باللقب الذي كان يطلق على بهلوان إنجليزي كانت مهمته إدخال السرور على قلوب ضيوف الأسرة الملكية في قصر باكنجهام في لندن، وهو اللقب الذي أطلقه عليه اللورد لويد، المندوب السامي البريطاني.

وكالعادة، كانت البداية مع المدرسة الإبتدائية، والتي التحق التتش بفريقها وتوج معه بلقب كأس المدارس، ومنه إلى فريق مدرسة السعيدية الثانوية.

اقتنصته أعين كشافي الأهلي وضمته للفريق عام 1922، ليصبح أحد الأعمدة الرئيسية لجيل من الأجيال الذهبية في تاريخ المارد الأحمر، حتى اعتزاله في عام 1940.

إجراءات استثنائية

لعب مختار التتش مع النادي الأهلي ومنتخب مصر، طيلة 17 عاما، شارك خلالها في ثلاث دورات أوليمبية، باريس 1924 وأمستردام 1928 وبرلين 1936.

وكان للتش في كل دورة أوليمبية موقفا لا ينسى، فمع بداية أولمبياد باريس، بدأت امتحانات شهادة الكفاءة في مصر، وكان على التتش الاختيار بين أداء الامتحانات أو قيادة مصر في الأولمبياد.
بالطبع انحاز التتش لمعشوقته الأولى، كرة القدم، إلا أن والده رفض بشدة خوفا على مستقبله، فما كان من رئيس الوزراء وقتها، المناضر الشعبي التاريخي سعد زغلول، إلا وأن أصدر قرارا بمشاركة التتش مع المنتخب، على أن يتم إرسال أوراق الامتحان إلى المفوضية المصرية في فرنسا لكى يؤديه.

أما في أولمبياد هولندا، فقد خاض التتش أروع مبارياته، وكانت ضد البرتغال، ليقود مصر للفوز بهدفين مقابل هدف، محرزا هدفي الفراعنة، ما دعى صحف أوروبا للإشادة به والإجماع على أنه أحسن جناح أيسر في العالم، ليتم اختياره عقب نهاية الأولمبياد ضمن تشكيلة منتخب العالم الذي واجه منتخب أوروبا وديا، ولم لا وهو من قاد مصر لاحتلال المركز الرابع في الأولمبياد.

وبخصوص أولمبياد ألمانيا، وبعد مستوى مبهر كعادته، اختير محمود مختار التتش ضمن أفضل 12 لاعبا في العالم، وأفضل أربعة مهاجمين أيضا على مستوى العالم.

أصاب خصمه بالجنون

في كتابه “رواد الرياضة المصرية “، يسرد السيد فرج واقعة عن مختار التتش، تبرهن على مدى موهبته وإنهاك مواجهته لخصومه بدنيا ومعنويا.

يقول فرج في كتابه “كان الأهلي يستعد لمباراة هامة للغاية أمام نادي السكة الحديد، وكان أهم ما يشغل فريق السكة الحديد هو كيفية إيقاف التتش، حتى لو كلفهم هذا مراقبته بثلاثة لاعبين”.

وأضاف “أحد اللاعبين ويدعى (أل)، أخطر زملائه ومدربه بإنه هو من سيتولى رقابة التتش، واعدا بعدم السماح له بالتهديف”.

ويكمل السيد فرج “التتش أحرز ثلاثة أهداف، ما دفع (أل) للجنون،وظل يكلم نفسه بصوت عال ويقول (أل امسكه.. أل امسك عفريت! امسك جن!)”.

حارب الملك

لم يكتفي التتش فقط بدوره الرياضي مع النادي الأهلي ومنتخب مصر، بل تحمل عواقب وطنيته في أحد المواقف الشهيرة له وربما الأشهر، بل لن نبالغ إذا أكدنا أنه تحول لأسطورة كما قلنا في ثاني فقرة من الموضوع بسبب هذا الموقف.

الأهلي تلقى دعوة عام 1943 من أندية فلسطين، بغرض تعزيز موقفها أمام الأندية الصهيونية التي بدأت تظهر في الأرض المحتلة عقب هبوط اليهود عليها تنفيذا لوعد بلفور.

وقتها رفض اتحاد الكرة الذي كان يترأسه محمد حيدر باشا ياور الملك فاروق، سفر بعثة الأهلي إلى فلسطين بضغط من السلطات البريطانية، إلا أن التتش جمع الفريق وسافر بصورة غير رسمية ليلبى الدعوة، مخالفا قرار اتحاد الكرة.

ما أثار غضب الكيان الصهيوني والسلطات البريطانية، ليقرر حيدر شطب الفريق وحرمانه من المشاركة في النشاط المحلي.

وبعد عدة أشهر، قرر اتحاد الكرة العفو عن الأهلي بشرط أن يحضر لاعبوه لمقر اتحاد الكرة، والتوقيع على اعتذار رسمي عن السفر إلى فلسطين دون موافقة اتحاد الكرة.

وأعطى التتش تعليماته للاعبين بالذهاب لاتحاد الكرة، حرصا على مستقبلهم، وبالفعل ذهب الفريق كله باستثناء فرد واحد، هو محمود مختار التتش.

وأرسل التتش برقية إلى رئيس اتحاد الكرة محمد حيدر باشا، كتب فيها كلمات خلدها التاريخ “لقد ذهبنا إلى فلسطين في مهمة وطنية. وهو موقف من العار الاعتذار عنه. وبناء عليه فإنه لا يشرفني الانتماء لاتحاد كرة يترأسه أمثالك”.

وأصيب حيدر باشا بصدمة، ليقوم بشطب مختار التتش، دون أن يعلم أنه بذلك القرار أتم صناعة أسطورة التتش، التي يتغنى بها الأهلاوية إلى الأن.

نهاية الرحلة

مع حلول عام 1940، قرر مختار التتش تعليق حذائه وإعلان اعتزاله وهو في أتم لياقة وأعلى مستوى، مسببا صدمة لملايين الجماهير المصرية.

طالبه الكثيرون بالبقاء والاستمرار، ولجأ أصدقاؤه إلى سيدة الغناء العربي أم كلثوم لتثنيه عن عزمه ، لصلتها القوية به، وما بينهما من ود وتقدير واحترام.

ولكن التتش تمكن من إقناع سيدة الغناء العربي بوجهة نظره، ورغبته في الاعتزال وهو في أوج مجده وإسمه يتردد هتافا على ألسنة الجماهير.

وعقب الاعتزال لم يبتعد التتش عن كرة القدم بشكل خاص والرياضة بشكل عام، فقد عمل مدربًا لفريق الكرة بالنادي الأهلي ثم سكرتيرًا للعبة، ومراقبًا للألعاب في النادي، ثم تولى منصب المدير العام لرعاية الشباب بوزارة الشئون الاجتمـاعية، وسكرتيرًا للجنة الأوليمبية المصرية من عام 1956 إلي عام 1959، وعضو لجنة التخطيط بالمجلس الأعلى لرعاية الشباب، ثم وكيل وزارة الشباب، وقد أشرف طوال فترة عمله الإداري على سن ووضع القوانين التي تنظم النشاط الرياضي في الأندية والاتحادات واللجنة الأوليمبية .
ومع حلول شهر أكتوبر من عام 1965، أحيل محمود مختار التتش إلى المعاش، ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام الرياضة من الدرجة الأولى اعترافا بفضله على الرياضة المصرية .

وفي يوم 21 ديسمبر 1965، وحينما كان يجلس في الصباح بين أصدقائه داخل النادي الأهلي الذي عاش وفيا له طيلة عمره، شعر التتش بإرهاق شديد، فتوجه فورًا إلى منزله، وأسلم الروح.

مشاركةXFacebookWhatsApp

التعليقات

لا توجد تعليقات